تنويه: منظمة سوريون مسيحيون في الولايات المتحدة، هي منظمة غير ربحية مكرسة لتعزيز العلاقات الودية بين شعب الولايات المتحدة وشعب سوريا. ليست معنية بالقضايا التبشيرية على مختلف أشكالها، لأنَّ هدفها الرئيسي فقط:
• دعم الجهود الشاملة بين السوريين في الولايات المتحدة والخارج.
• تثقيف الجمهور حول أهمية الحوار بين الأعراق والطوائف فيما يتعلق بسوريا.
• تعزيز التعاون بين السوريين من جميع الخلفيات الدينية والعرقية، بما في ذلك التأكيد على التعاون التاريخي والوحدة بين المسيحيين والمسلمين، والسوريين من جميع الطوائف في سوريا.
استهلال
لقد وُلِد السيد المسيح في بيت لحم ونشأ في الناصرة، وهما من حواضر سورية الطبيعية قبل تقسيم المنطقة وفق اتفاقية “سايكس بيكو” عام 1916. كانت تلك الحواضر جزءاً لا يتجزأ من التاريخ السوري الذي شكّل بدايات المسيحية. لقد كان السوريون أول المؤمنين بالمسيح ومن هنا كانت بداية رحلة المسيحية، التي انتشرت عبر سوريا ووصلت إلى العالم. المسيحية في سوريا ليست مجرد أقليَّة، بل هي جزء أساسي من تاريخ المجتمع السوري – الأصيل- وهويته الوطنية التاريخية.
من الغبن القول بأنَّ “المسيحية أقلية في سوريا“!
المسيحية في سوريا
المسيحية انتشرت من سوريا إلى أرجاء العالم، ويعتبر القديس بطرس هو الذي حمل الرسالة المسيحية إلى روما، حيث أسس الكنيسة هناك. ولكن الأساس كان في سوريا الطبيعية، فقد أسس القديس بولس (شاؤول) كنيسته الأرثوذكسية في مدينة طرسوس، التي كانت تقع في شمالي سوريا الطبيعية، في القرن الأول الميلادي. المسيحية كانت جزءاً من المجتمع السوري -قبل ميلاد المسيح-، وانتشرت هذه الديانة لتصل إلى روما وأوروبا من خلال الأوائل المؤمنين. ساهم السوريون بتأسيس أول الكنائس في العالم، ومنها الكنائس التي أسست في دمشق، تحمل الكثير من الشواهد على هذا التاريخ.
ماذا لو سافر المسيح خارج سوريا؟
لو تسنى للمسيح السفر خارج منطقة سورية الطبيعية، لكان عليه أن يحمل جواز سفر سوري!
هذا القول المجازي يُبرز حقيقة أساسية، وهي أن سوريا كانت المهد الجغرافي والتاريخي للمسيحية. دمشق وأنطاكية كانت مراكز مسيحية مهمة، وحافظت سوريا على دورها المحوري في نشر العقيدة الجديدة. هذه الحواضر احتضنت التعاليم المسيحية الأولى، وجمعت بين الثقافة الدينية والحياة الاجتماعية الموروثة للسوريين.
أول كنيسة بنيت في سوريا:
كانت في مدينة دورا أوربوس على ضفاف الفرات، وقد شُيدت في منتصف القرن الثالث الميلادي.
دورا أوربوس هي مدينة أثرية سورية تقع في بادية الشام قرب دير الزور، وتُعرف اليوم باسم الصالحية. تتميز هذه المدينة بتاريخها العريق وأهميتها الاستراتيجية عبر العصور، مما جعلها محط أنظار الباحثين والمهتمين بالتاريخ والحضارات القديمة.
تُعتبر كنيسة الصالحية (دورا أوربوس) من أقدم الكنائس في العالم، وهي شاهد حيّ على البدايات المسيحية قبل التقسيم السياسي المعاصر. تاريخ هذه الكنيسة يُظهر بوضوح كيف كانت المسيحية جزءاً من النسيج الاجتماعي السوري منذ بداياتها.
كنيسة الصالحية (دورا أوربوس) ليست مجرد مبنى، بل هي رمز للوجود المسيحي في هذه المنطقة.
دور المسيحيين في الحياة الاجتماعية قبل الفتح الإسلامي
كان للمسيحيين دور كبير في الحياة الاجتماعية والثقافية في سوريا قبل الفتح الإسلامي، حيث انتشر المسيحيون منها في جميع أنحاء المدن السورية. وأسهموا في بناء مجتمع متنوع ومزدهر ثقافياً ودينياً. سوريا في ذلك الوقت كانت تجمع بين الطوائف الدينية المختلفة في انسجام فريد، حيث عاش المسلمون والمسيحيون واليهود وغيرهم جنباً إلى جنب.
دخول الجيوش الإسلامية إلى سوريا
عندما دخلت جيوش الفتح الإسلامي إلى دمشق والمدن السورية الأخرى، كان ذلك دون مقاومة تُذكر. وكمثال، دمشق سلمت مفاتيحها للقائد خالد بن الوليد عام 635 ميلادي، وكان الدخول سلمياً في كثير من المدن. هذا الحدث يمثل نقطة تحول في التاريخ السوري، حيث تم التفاهم بين الفاتحين والسكان المسيحيين. وقد استمرت الكنائس قائمة وواصل المسيحيون حياتهم الدينيّة بحرية.
ولا بدَّ من ذكر بعض التفاصيل الضرورية حول هذه الحادثة:
- الحصار: استمر حصار دمشق لعدة أشهر، وقد واجه المسلمون مقاومة شرسة من البيزنطيين الذين كانوا يحتلون هذه المنطقة.
- الاستسلام: في النهاية، استسلمت دمشق للمسلمين بعد أن أدرك البيزنطيون استحالة الصمود.
- الأثر التاريخي: كان فتح دمشق بدايةً لتوسع الإسلام في المنطقة، وأدى إلى تغيير الخارطة السياسية للمنطقة التي تسمى حالياً -زوراً- “الشرق الأوسط”.
ملاحظات مهمة: قد تختلف التواريخ الدقيقة قليلاً بين المصادر التاريخية المختلفة، ولكن بشكل عام، يتفق المؤرخون على أن فتح دمشق حدث في النصف الأول من القرن السابع الميلادي. كما أنَّ هناك العديد من الأسباب التي دفعت المسلمين إلى فتح دمشق، منها الرغبة في نشر الإسلام، والبحث عن الغنائم، والتوسع في الأراضي الإسلامية.
دور الغساسنة المسيحيين
لعب “الغساسنة” المسيحيون دوراً محورياً في جنوب سوريا، وكانت علاقاتهم مع “المناذرة” (الذين كانوا حلفاء الفرس) متوترة في بعض الأحيان. الغساسنة كانوا حلفاء للروم البيزنطيين، وكان لهم حكم مستقل في أجزاء من سوريا والأردن. هذه الفترة من التاريخ غنية بالأحداث التي شهدت صراعات وتحالفات بين القوى الكبرى في المنطقة. الغساسنة حافظوا على كيانهم المسيحي رغم التحديات، وكانوا جزءاً من التاريخ الديني والسياسي للمنطقة.
اضطهاد المسيحيين في الخلافة العثمانية
في فترة الخلافة العثمانية، تعرض المسيحيون في سوريا للاضطهاد، مما دفع العديد منهم للهجرة إلى الأمريكيتين وأوروبا. الظروف الاقتصادية والدينية كانت وراء هذه الهجرات، حيث اضطر الكثيرون للبحث عن حياة أفضل خارج حدود الإمبراطورية العثمانية. هذا الاضطهاد لم يكن مقتصراً على سوريا، بل شمل مناطق أخرى من الدولة العثمانية، مما أدى إلى تفكك المجتمعات المسيحية التاريخية في تلك المناطق. وهذا أدى بدوره إلى هجرة المزيد من العائلات المسيحية إلى الخارج –كالذي نشهده حالياً-، فالتاريخ يكرر أحداثه عادة.
المسيحيون أثناء الاحتلال الفرنسي
خلال فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا، كان للمسيحيين دور بارز في مقاومة الفرنسيين. ظهرت قيادات مسيحية مهمة مثل فارس الخوري، الذي كان له دور رئيس في الحركة الوطنية السورية. كما برز العديد من الأدباء والمفكرين المسيحيين الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي وساهموا في إحياء الهوية السورية المستقلة. هذا النضال جعل من المسيحيين جزءاً لا يتجزأ من الحراك الوطني.
مشاركة المسيحيين في الحكومات السورية بعد الاستقلال
بعد استقلال سوريا عام 1946، شارك المسيحيون بشكل فعال في تشكيل الحكومات السورية. العديد من القيادات المسيحية تقلدت مناصب رفيعة، وساهموا في بناء الدولة السورية الحديثة.
كانت سوريا مثالاً للتعايش بين مختلف الطوائف، حيث شارك المسيحيون والمسلمون معاً في صنع القرارات السياسية وبناء الاقتصاد الوطني.
كان أغلب المسيحيين من ملاك الأراضي والمستثمرين الاقتصاديين وهو ما أمّن لهم حضوراً فعّالاً في الساحتين الاقتصادية والاجتماعية ومكنهم من المشاركة الحقيقية في صناعة القرار، فعلى سبيل المثال 75% من الوكالات التجارية الأجنبية كانت بيد مسيحيين في منتصف القرن العشرين، لكن الدولة السوريّة اتجهت بعد ثورة الثامن من آذار نحو السياسة الاشتراكية ما عنى فعليًا تجريد المُلاك من أملاكهم الخاصة وإنهاء المبادرات الفردية في السوق مقابل سيطرة الدولة، ما أدى أولاً إلى فقدان الدور الاقتصادي لمصلحة الدولة وثانياً هجرة الطبقة الأكثر ثراءً وتهريب أموالها معها، كانت المرحلة الأولى من الهجرة تلجأ إلى لبنان وفي المرحلة الثانية انطلقت نحو المغترب البعيد.
دور المسيحيين في الثورة السورية 2011
خلال الثورة السورية عام 2011، شارك المسيحيون في مختلف الحركات السياسية. العديد من القوى المسيحية انضمت إلى المجلس الوطني السوري والائتلاف وهيئة المفاوضات في جنيف، مما يدل على رغبتهم في تحقيق التغيير والمساهمة في بناء مستقبل سوريا. كانت مشاركة المسيحيين في هذه الثورة جزءاً من إرادتهم للوقوف بجانب حقوق الشعب السوري.
وختاماً:
المسيحيون في سوريا، رغم قلة عددهم مقارنة بالسنة وبعض الطوائف الأخرى، هم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوري. لقد عاشوا في هذه الأرض منذ قرون وساهموا في تشكيل هويتها وتاريخها. المسيحيون يؤمنون بأن الدين للأفراد والوطن سوريا للجميع، ويظلون ركناً أساسياً في بناء مستقبل سوريا المتنوع والمتماسك.