قراءة تحليلية لمقال عنوانه: “Christian festivities proceed as normal amid Syrian rebel takeover, says Aleppo bishop” / “الأسقف في حلب: الاحتفالات المسيحية مستمرة رغم سيطرة المتمردين”، المنشور في موقع “The National” بتاريخ 03/12/2024، بقلم الكاتبة “Ellie Sennett” من واشنطن.
تنويه: قبل تحليل المقال، لا بدَّ من الإضاءة على جذور المسيحية في سوريا كمُكوِّنٍ اجتماعي أصيل ينتمون إلى أوائل المؤمنين برسالة يسوع المسيح.
أصول المسيحيين في سوريا: جذور عميقة في التاريخ
تعتبر المسيحية من أقدم الديانات السماوية في سوريا، ولها تاريخ عريق يمتد إلى عهد يسوع المسيح. المسيحيون السوريون هم من أوائل من اعتنقوا المسيحية، ولعبوا دوراً حاسماً في نشأة وانتشار هذه الديانة.
جذور المسيحية في سوريا:
العصر الرسولي: يعتقد المؤرخون أن المسيحية وصلت إلى سوريا في وقت مبكر جداً، ربما في العقد الأول بعد صعود المسيح. يذكر الكتاب المقدس أنَّ أنطاكية، الواقعة في سوريا حالياً، كانت واحدة من أوائل الكنائس التي تأسست بعد القدس، وأطلق عليها لقب “أم الكنائس”.
العصر الآرامي (القرن الأول الميلادي): نشأت المسيحية في فلسطين كجزء من سوريا الطبيعية(Lavent)، وانتشرت بسرعة في المنطقة المحيطة بها. اعتنق الكثير من السوريين المسيحية في العصر الآرامي، حيث كانت سوريا جزءاً من الإمبراطورية الرومانية، وكانت اللغة الآرامية هي اللغة السائدة.
انتشار المسيحية: بعد صلب المسيح وقيامته، انتشر التبشير بالمسيحية في سوريا، وأسس الرسل والتلاميذ كنائس عديدة في مدن سورية كدمشق وحلب وأنطاكية. أصبحت أنطاكية المركز الرئيسي للمسيحية في الشرق، وأطلق عليها لقب “أم الكنائس“.
المسيحية في العصر البيزنطي (القرن الخامس الميلادي – القرن الخامس عشر الميلادي): في هذا العصر، أصبحت المسيحية هي الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية، وشهدت سوريا ازدهاراً ثقافياً ودينياً. بنيت الكنائس والمعابد، وانتشرت الثقافة المسيحية في المجتمع.
الحكم الإسلامي (منذ القرن السابع الميلادي): مع الفتح الإسلامي لسوريا، دخل المسيحيون في مرحلة جديدة من تاريخهم. على الرغم من تغير الدين الرسمي، إلا أن المسيحيين حافظوا على دينهم وعاداتهم وتقاليدهم، واستمروا في العيش جنباً إلى جنب مع المسلمين.
العصر الحديث: شهد المسيحيون السوريون العديد من التحديات في العصر الحديث، بما في ذلك الحروب والنزاعات والاضطهاد. ومع ذلك، استمروا في الالتزام بدينهم، والمساهمة في بناء المجتمع السوري.
مساهمات المسيحيين في المجتمع السوري:
الثقافة والتعليم: لعب المسيحيون دوراً بارزاً في الحفاظ على التراث الثقافي السوري، وأسسوا العديد من المدارس والجامعات والنشاطات الاجتماعية والتربوية.
التجارة والصناعة: كان للمسيحيين دور مهم في التجارة والصناعة، وساهموا في تطوير الاقتصاد السوري.
الخدمة الاجتماعية: قدم المسيحيون خدمات اجتماعية واسعة النطاق، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الإنسانية.
احصائيات مفيدة:
نسبة المسيحيين في سوريا: تشير التقديرات إلى أن المسيحيين يشكلون حوالي 10% من سكان سوريا.
الطوائف المسيحية: يتنوع المسيحيون السوريون إلى عدة طوائف، من أهمها الأرثوذكس والروم الكاثوليك والسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك.
الكنائس والمعابد: يوجد في سوريا العديد من الكنائس والمعابد المسيحية التي تعود إلى عصور مختلفة، والتي تعد شاهدة على تاريخ المسيحية في البلاد.
المسيحيون السوريون هم جزء أصيل من النسيج الاجتماعي السوري، ولعبوا دوراً حاسماً في تشكيل هوية البلاد. تاريخهم العريق ومساهماتهم المتعددة تجعل منهم جزءاً لا يتجزأ من التراث السوري.
مسيحيو مدينة حلب مثالاً
نقتصر في هذا المقال التركيز على حالة المسيحيين في حلب لكون سياق الموضوع الذي تناولته الكاتبة “Ellie Sennett” يصب في هذا المجال.
تشكل حلب مثالاً حياً على تاريخ المسيحيين في سوريا وتحدياتهم. فلطالما كانت هذه المدينة موطناً لتجمعات مسيحية متنوعة، ساهمت بشكل كبير في نسيجها الثقافي والتجاري. وقبل اندلاع الأزمة السورية، كانت حلب تضم واحدة من أكبر الجاليات المسيحية في البلاد.
أما اليوم، تشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف المسيحيين هجروا المدينة خلال السنوات الأولى من الصراع. وقد أدى هذا النزوح إلى تدمير جزء كبير من النسيج الاجتماعي للمدينة، حيث فقدت حلب العديد من أطبائها ومهندسيها ومثقفيها من المسيحيين. ورغم الجهود المبذولة لإعادة إعمار الكنائس المتضررة، إلا أن العديد منها لا يزال بحاجة إلى ترميم كامل.”
لمعرفة الإحصائيات وتفاصيل هجرة المسيحيين القسرية، يمكن الرجوع إلى تقارير المنظمات الدولية:
- مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR).
- منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
- منظمة الصحة العالمية (WHO).
- منظمة أطباء بلا حدود.
ورغم ذلك، لا يزال هناك عدد من المسيحيين يصرون على البقاء في حلب، ويعملون جاهدين للحفاظ على تراثهم وتقاليدهم، وإعادة إعمار المدينة.
أهم الأسباب التي جعلت أكثر من نصف العائلات المسيحية تهاجر من حلب قسرياً هي:
- العنف الطائفي.
- التخريب الممنهج للكنائس.
- التجنيد الإجباري في ظل الأزمة السورية.
- خطف بعض رجال الكهنوت الكنسي وشخصيات بارزة كثيرون.
تأثير الهجرة على المجتمع المسيحي في حلب:
- تراجع الأعداد، فقدان الخبرات والكفاءات.
- تأثير على النسيج الاجتماعي للمدينة.
- إعادة بناء الكنائس.
- تنظيم الأنشطة الثقافية والدينية.
- تقديم الخدمات الإنسانية.
بعد هذه الإضاءة على واقع مسيحيي سوريا، خاصة أهالي حلب، وبالتزامن مع الأحداث المباغتة التي بدأت منذ أسبوع حيث تصاعد القتال في أحد أكثر الشهور قدسيَّة لدى المسيحيين، مما أثار المخاوف من أن انتصارات بعض الفصائل -المعروفة سابقاً بأنها متطرفة- مع فصائل المعارضة العسكرية قد تعرض الأقليات السورية للخطر. ولما كان هذا التوقع لم يحدث، برز الأسقف المُرسل والنائب الرسولي لطائفة اللاتين في حلب “المطران حنا جلوف” ليعلن للمسيحيين، الذين كانوا في البداية “خائفين”، أنَّ الاحتفالات المسيحية مستمرة رغم سيطرة المتمردين كما جاء في عنوان مقالة الكاتبة “إيلي سينيت” من واشنطن في 3 كانون الأول2024.
في الفقرة الأولى من مقالتها كتبت:
“قال أسقف حلب الرئيسي إن المسيحيين في حلب، المدينة السورية الرئيسية التي استعادتها قوات المعارضة بقيادة متطرفين من نظام الرئيس بشار الأسد، بدأوا في “تزيين أحيائنا بأشجار عيد الميلاد”، وسط تكهنات بشأن وضع الأقليات”.
كما وصفت بانَّ مجموعة “هيئة تحرير الشام – HTS”، بأنها منظمة إرهابية مصنفة من قبل الولايات المتحدة سعت إلى تقديم صورة أكثر اعتدالاً، وأنَّ تحالفها مع مقاتلي المعارضة كان بمثابة التحدي الأكثر أهميةً لنظام الأسد منذ سنوات.
سقط النظام بسرعة في حلب، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 2.5 مليون نسمة ويقطنها حوالي 25 ألف مسيحي، وتتجه قوات المعارضة جنوباً. “إيلي سينيت”

كما أبدت الكاتبة رأيها بأنَّ حديث النائب الرسولي الأسقف “المطران جلوف” من كنيسته في حلب، كان له صدىً عند الصحفيين في واشنطن، معتبرةً أنه أجرى إحاطة افتراضية في يوم الثلاثاء، خاصة عندما وصف المطران جلوف كيف امتنعت الأقليات الدينية في المدينة في البداية عن “مغادرة منازلهم” في الساعات الأولى من العملية الصادمة التي نفذتها قوات المعارضة بقيادة المتطرفين. لكن مع طمأنة “هيئة تحرير الشام – HTS” بأن المسيحيين سيكونون آمنين، سرعان ما عادت الأقليات الدينية إلى الحياة العامة.
ونقلت الكاتبة قول المطران جلوف:
“يسعدني أن أقول إن احتفالات كل من الكاثوليك والأرثوذكس والطوائف المسيحية الأخرى، سواء كان عيد القديسة بربارة أو رأس السنة أو عيد الميلاد، تسير كما هو معتاد. لقد بدأنا بالفعل في تزيين أحيائنا بأشجار عيد الميلاد وغيرها من الأشياء للاحتفالات القادمة … نشعر أن الأمور تسير على ما يرام”. “إيلي سينيت”
ومن ثمَّ أعقبت الكاتبة: “كان هناك قلق متزايد من أن سيطرة “هيئة تحرير الشام – HTS” قد تعرض الأقليات المسيحية للخطر.
“في تقريرها السنوي لعام 2023 حول الحرية الدينية الدولية، أشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن “منظمات حقوق الإنسان واصلت الإبلاغ عن ارتكاب HTS انتهاكات ضد أفراد الأقليات الدينية والإثنية، بما في ذلك الاستيلاء على ممتلكات المسيحيين النازحين”. “إيلي سينيت”
كما أبدت الكاتبة رأيها بأنَّ تجدد القتال ، ولدَّ مخاوفاً عند المسيحيين السوريين على معالمهم المقدسة. وقد كان سبب ذلك إعلان الكنيسة الكاثوليكية، هذا الأسبوع، أنه: “خلال قصف مدينة حلب، سقطت قنبلة على مجمع الفرنسيسكان في كلية الأرض المقدسة”.
ونقلت الكاتبة في مقالها فقرة من بيان المطران جلوف:
“كلمة الله في أول أحد من الزمن الحالي تدعونا إلى الحفاظ على الأمل في آفاق السلام. فلنستقبل هذا الحث ونصلي لتحقيقه لإخوتنا وأخواتنا السوريين”. “المطران جلوف”
وقد عرجت الكاتبة في ختام مقالها على التذكير أنه مع تقدم “هيئة تحرير الشام – HTS” وتحالف الفصائل المتمردة في جميع أنحاء سوريا، أصدرت المجموعة يوم الاثنين بياناً تحاول فيه تهدئة مخاوف الأقليات مثل الأكراد السوريين، معلنة أنهم “لهم الحق الكامل في العيش بكرامة وحرية، مثل جميع السوريين” وأضاف البيان: “في سوريا المستقبلية، نعتقد أن التنوع هو قوتنا وليس ضعفنا”.
وخلاصة القول، ترى منظمتنا “سوريون مسيحيون في الولايات المتحدة” أنَّ ما قدمته الكاتبة الأمريكية في مقالها، يشير إلى أنَّ هناك دلالات واضحة، تفيد أنَّ الإعلام الأمريكي قد بدأ يخطو نحو قول الحقيقة ومجانبة الزيف الذي كان يمارسونه منذ فترات ليست ببعيدة زمنياً. كما نشكر الكاتبة “إيلي سينيت” تسليطها الضوء على حالة المسيحيين في سوريا.