مقدمة
في لحظة مفصلية من التاريخ السوري الحديث، ومع انطلاقة مشروع بناء سوريا ما بعد الأسد، برز حدث وطني لافت تمثّل في الإعلان عن تأسيس “المجلس الوطني المشرقي في سوريا” في العاصمة دمشق، بمبادرة من نشطاء وممثلي الطيف المسيحي السوري، بينهم أعضاء في حزب الاتحاد السرياني والاتحاد النسائي السرياني. وتبارك منظمة “سوريون مسيحيون في الولايات المتحدة” هذه الخطوة التي جاءت في الوقت المناسب والمفيد.
تأكيد الهوية الوطنية للمسيحيين السوريين
هذا التأسيس لا يأتي بمعزل عن التحولات السياسية الجارية في البلاد، بل هو تعبير واضح عن إرادة المسيحيين السوريين في إعادة التموقع كركن أصيل ومؤسس في مشروع الدولة السورية الجديدة، دولة المواطنة والعدالة والمشاركة.
وقد عبّر العضو المؤسس للمجلس، جميل الغيث، عن أهمية هذه الخطوة بقوله:
“هذا المجلس مطلب مسيحي، ومطلب وطني لكل مسيحي، لنقول نحن هنا، نحن أصحاب الأرض، نحن أصحاب جذور”.
وفي تأكيد على الرؤية الوحدوية، أضاف الغيث:
“نحن جزء من هذا الوطن، ولن نتخلى عن هذا الجزء بجميع مضامينه… سنكون جميعاً سوياً، لنحكم سوريا بإرادة شعبها تحت سقف الوطن”.
منصة جامعة لكل المكونات
من جهته، أوضح وضاح الخوري، وهو أحد المؤسسين، أن المجلس يأتي كـ
“منصة للتفاعل مع جميع مكونات الشعب السوري لإعادة بلورة سوريا الجديدة، واحدة موحدة آمنة”.
ودعا إلى المشاركة في المؤتمر التأسيسي المرتقب، الذي سيُعلن عن موعده قريباً.
أما أفرام إسحق، فأكد أن تأسيس المجلس
“يمثل انطلاقة تاريخية لشعبنا المسيحي عموماً في سوريا… سنحاول خدمة الشعب المسيحي بشكل عام، بما يتماشى مع مصلحة الوطن”.
وفي ذات السياق، شدّدت ابتسام فضول، عضوة الاتحاد النسائي السرياني، على أن المجلس يمثل حاجة مُلحّة قائلة:
“نحن بحاجة لهذا المجلس ليشكل انطلاقة لمسيحيي سوريا، ويكونوا يداً واحدة من جميع الطوائف، ونجتمع على كلمة واحدة موحدة، لما فيه خير لسوريا الجديدة”.
أهداف المجلس
بحسب البيان التأسيسي، يهدف “المجلس الوطني المشرقي” إلى:
تمثيل المسيحيين السوريين في الحياة السياسية والمدنية.
لدفاع عن حقوقهم الدينية والثقافية والقومية ضمن إطار الدولة الوطنية.
المساهمة في ترسيخ دولة المواطنة والعدالة الانتقالية.
الحفاظ على خصوصية الهوية المسيحية، ودعم اللغة الأم والثقافة، والاعتراف بقوميتهم ضمن الهوية السورية الجامعة.
خاتمة: نحو شراكة تأسيسية في إعادة بناء سوريا
إن تأسيس “المجلس الوطني المشرقي في سوريا” ليس مجرد مبادرة سياسية، بل هو إعلان استعادة الدور التاريخي للمسيحيين السوريين كمكون أصيل في صوغ حضارة سوريا، قبل الإسلام والدولة الأموية، ومن ثم كمشاركين فاعلين في مسيرة الدولة الحديثة.
هذا المجلس يُشكل رافعة أخلاقية ووطنية لإطلاق مشروع العدالة الانتقالية التي لا تستثني أحداً، ويعزز من فرص بناء سوريا جديدة يسودها العدل والمساواة، بعيداً عن منطق التهميش والتمييز الطائفي.
ولمن لا يعرف التاريخ جيداً، فإن مسيحيي سوريا ليسوا أقلية تبحث عن حماية، بل هم من وضعوا أسس اللغة، والكتابة، والفكر، والحضارة في هذه الأرض منذ آلاف السنين. واليوم، يرفعون صوتهم من جديد للمشاركة في صياغة دستور، وسيادة، وسلام عادل يضمن كرامة جميع السوريين.